الماضي الديمغرافي لسكان المغرب
القرن 20 بمجموع يتراوح ما بين 5 و6م نسمة، وتطورت أعداد الساكنة بشكل بطيء لذلك ظلت طبيعة النمو الديمغرافي "بدائية"، مطبوعة بمعدلات ولادة ومعدلات وفاة مرتفعة..
وقد كان لفترات الكوارث والجفاف والمجاعات والأوبئة التي ضربت البلاد دور في انخفاض نسبي لعدد السكان خاصة في نهاية القرن 19م. وفي المجموع حوالي سنة 1900 قدرت الساكنة بـ 5 إلى 5,5 م ن.
وعلى مستوى آخر، يمكن تسجيل أنه خلال فترة الحماية الفرنسية والاسبانية، بلغ عدد الأجانب حوالي 400 ألف نسمة ( سنة 1956) : غالبية فرنسية وجزائرية وإسبانية وقدر في المقابل عدد اليهود ب 218000 سنة 1954. ومع استقلال المغرب تراجع عدد الأجانب وكذا اليهود إلى 111900 أجنبي سنة 1971 و 45000 نسمة سنة 1994 و 47 % منهم من أصول عربية ومغاربية. وتراجع عدد اليهود المغاربة إلى 31000 نسمة سنة 1971 وإلى 2000 نسمة فقط حاليا، وذلك نتيجة الهجرة نحو أوربا وكندا وإسرائيل.
التحول الديمغرافي المعاصر
تضاعفت الساكنة المغربية 5 مرات ما بين 1900 و 2000 حيث انتقلت من 6 إلى 29 مليون نسمة. و بفعل الانفجار الديمغرافي غير المسبوق خاصة بعد الاستقلال، والذي استمر إلى منتصف الثمانينات، فمعدل التزايد السنوي للسكان بقي مرتفعا : كان أقل من 1% في بداية القرن، ثم ارتفع ليصل إلى معدل % 2,8 ما بين 1960 و 1971.
انطلاقا من الثمانينات، عرف النمو الديمغرافي فترة تحول واضحة وسريعة حيث تراجعت الولادات خاصة في الوسط الحضري، و حاليا لا يتعدى معدل التزايد 1,4% .
وعلى مستوى آخر، وفي نفس السياق، عرف المغرب فترة تمدين سريعة : فالساكنة الحضرية التي كانت تشكل 29,2% سنة 1960 انتقلت لتمثل 56% سنة 2002، وأثر ذلك على البنايات الاقتصادية والاجتماعية وخاصة ظاهرة الهجرة القروية، كما أن تحول بعض المراكز القروية إداريا إلى مدن ساهم في تسارع وتيرة التمدين.
الساكنة القروية والساكنة الحضرية
إذن فتراجع الوفيات ومعدلات الخصوبة منذ الاستقلال من السمات التي تطبع ديمغرافية المغرب حاليا : فمعدل الوفيات انتقل من 1,9% سنة 1962 إلى 0,6% سنة 2000 وهذا التراجع ارتبط بانخفاض في نسبة وفيات الأطفال حيث انتقل من 14,9% سنة 1962 إلى 3,6% سنة 1997 وارتبط تراجع الوفيات بالتحسن الذي عرفته ظروف الوقاية الصحية، وبالخصوص الولوج إلى الخدمات الصحية وكذا حماية صحة الأطفال، وموازاة لذلك ازداد أمد الحياة، حيث انتقل من 47 سنة 1960 إلى 73 سنة 2003.
البنية وتوزيع السكان
* البنية حسب الجنس: تضم الساكنة المغربية تقريبا عدداً مماثلاً من الرجال والنساء لكن معدل الذكورة (عدد الرجال بالنسبة لكل 100 مرأة) يتفاوت حسب السن ومكان الاقامة فبسبب ارتفاع معدلات الوفيات في صفوف الرجال، نجد بالنسبة للذين تتعدى أعمارهم 60 سنة معدل الذكورة يصل إلى 86,1 في الوسط الحضري و101,6 بالنسبة للوسط القروي، وهذا المؤشر الأخير يسجل معدلات الأنوثة المرتبطة بالهجرة القروية.
* البنية حسب السن: الساكنة المغربية شابة، لكن يلاحظ تراجع لهذه الفئة في الآونة الأخيرة بالنسبة لمجموع السكان ارتباطا بالتحولات الديمغرافية التي يعرفها المغرب فثلث المغاربة تقل أعمارهم عن 15 سنة (مقابل 44,4% سنة 1960) أما الساكنة التي يتجاوز عمرها 60 سنة فقد ارتفعت من نسبة 4% سنة 1960 إلى 8% اليوم.
* بنية الساكنة النشيطة: معدل الساكنة النشيطة ( 15-59 سنة) جد مرتفع ( 56% ) والمعدل الخام للنشاط انتقل من 26,6% سنة 1982 إلى 38% سنة 1994. أما معدل البطالة فمتفاوت حسب عدة معطيات، حيث يتراوح ما بين 16% و 20% وهو أكبر في صفوف الشباب (من 15 إلى 24 سنة). ومن التحديات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى التي يواجهها المغرب مشكل الشغل.
* بالنسبة لتوزيع السكان : بمساحة تقدر ب 711000 كلم2 و29 مليون نسمة، يعرف المغرب كثافة متوسطة تحوم حول معدل 40 نسمة/كلم2. وتوزيع السكان على مستوى المجال يعرف تباينا حيث التفاوت الكبير بين المناطق جنوب السلسلة الأطلسية والمناطق الشمالية الغربية التي تعرف تمركزا سكانيا مهما خاصة الساكنة الحضرية منها. والكثافة الكبرى مركزة على الساحل الأطلسي بين طنجة وأكادير( خاصة محور الدار البيضاء القنيطرة حيث تتراوح الكثافة حوالي 1000 نسمة/كلم2)، وكذا في المغرب الداخلي مناطق مكناس، فاس، مراكش.
الحركية الجغرافية للساكنة
دخل المغرب في تحولات اجتماعية، مجالية ذات أبعاد كبيرة منذ الاحتلال الفرنسي الاسباني، فاختلال التوازن على مستوى البنيات التقليدية في مجال الفلاحة والحرف، ارتبط كذلك بالتحولات على مستوى الديمغرافي (مثلا التباين بين السهول والجبال ؛ والساحل والداخل؛ بين المدن والأرياف، بين المغرب " النافع" والمغرب "غير النافع").
وما يفسر أصول الحركية الأفقية الكبرى للسكان كون هذه الهجرات ترتبط أساسا بعوامل اقتصادية وكذا اعتبارات أخرى معقدة : البحث عن الشغل، احتياجات دراسية، البحث عن ظروف أحسن. ويمكن تسجيل على سبيل المثال أنه بسبب أشغال التهيئة الفلاحية العصرية صارت الهجرة بين مختلف المناطق القروية كثيفة (مثال في اتجاه الدوائر السقوية الكبرى ومجالات المزروعات التسويقية) ولكن الهجرة نحو المدن هي الظاهرة الملفتة للانتباه.
فعدد المهاجرين القرويين نحو المدن انتقل من 45 ألف سنويا في الخمسينات إلى 113000 شخص سنويا خلال السبعينات و 195000 بين 1982 و2002. أما الهجرة الخارجية فهي واجهة أخرى لحركية سكان المغرب إذ تهم حاليا حوالي 3 مليون مغربي (مقابل 11 م سنة 1984).
انطلقت هذه الهجرة مبكرا حيث كانت احتياجات الميتروبول لليد العاملة الرخيصة لتعمل في القطاع الفلاحي وكذا قطاع المعادن. انطلاقا من 1960 و أمام التطور الاقتصادي القوي لدول أوروبا الغربيبة وأمام التحدي المزمن للخصاص في اليد العاملة وقعت عدة بروتوكولات تتعلق بالهجرة القانونية. فبين 1962 و 1974، نجد 300000 عامل مغربي اتجهوا نحو أوربا وبشكل رئيسي نحو فرنسا وكذا و بلجيكا وهولندا.
ومند 1975 تنامت السياسات الرسمية الراغبة في الحد من الهجرة . لكنها أعطت نتائج عكسية عما هو متوقع. حيث تقوت هذه الهجرة بسبب مظاهر التجمع العائلي وكذا الهجرة السرية. كما طالت الهجرة العنصر الشاب والعنصر النسوي.
وتعددت وجهات المهاجرين سواء نحو دول جنوب أوروبا كإيطاليا واسبانيا أو نحو حدود أخرى ككندا والولايات المتحدة الأمريكية. وفي الوقت الراهن صارت الهجرة أشمل العناصر المؤهلة وذات كفاءات عالية (هجرة الأدمغة).
الآفاق الديموغرافية
في أفق 2010 سيصل عدد سكان المغرب إلى 33 مليون نسمة بمعدل سنوي للزيادة يصل إلى 1,6% بالنسبة لفترة 1994- 2010 مقابل 2,06% لفترة 1982- 1994 . وانخفاض معدلات الخصوبة سيستمر : فمؤشر الخصوبة سيتراوح ما بين 2,2 طفل بالنسبة للمرأة الواحدة ( 1,96 في الوسط الحضري) ورغم هذا التراجع، فإن الساكنة ستستمر في الارتفاع عموما بمعدل 455000 نسمة سنويا خلال هذه الفترة. سيتراجع في أفق 2050 المعدل إلى طفلين فقط للأنثى الواحدة و هو الحد الأدنى لضمان تجدد الأجيال. وهذا ما سيؤدي إلى استقرار ساكنة المغرب في حدود 45 مليون نسمة.
اعتبارا لانخفاض الولادات، فإن نسبة الأطفال الذين يقل عمرهم عن 15 سنة ستتراجع من 37% سنة 1994 إلى 26,6% سنة 2010. بينما من 15 إلى 19 سنة سترتفع لتصل إلى 65,2% مقابل 56% سنة 1994 في نفس الوقت الذين يزيد عمرهم عن 60 سنة سيمثلون 8,2 % مقابل 7,1% . سيصل استمرار التمدين إلى 62,3% بدل 51,2% و ستنتقل الساكنة الحضرية من 13,3 مليون نسمة سنة 1994 إلى 20,7 سنة 2010 بمعدل نمو يصل 2,8% سنويا، وهذا سيصاحبه انعكاسات على مستوى توفير مناصب الشغل والخدمات الاجتماعية.